عاممقالات

«إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي»

بقلم أ.د٠ مفيدة ابراهيم على

عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

نحن مع إطلالة عام هجري جديد ، ذلك الهجرة التي غيرت مجرى التاريخ، وصححت مسيرة الإنسانية حتى غدا الإسلام ديناً يعتنقه ما يقرب من اثنين مليار في العالم، و أضحى الإسلام أكثر الأديان انتشاراً في الأرض، وتكونت أمة ، أخرجت البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، من ضيق الدنيا إلى سعتها، من جور الأديان إلى عدل الإسلام.

والهجرة معناها أن يهجر الإنسان ما حرم الله عليه، وقد تكون الهجرة في معانيها المحدودة أن تنتقل من مكان إلى مكان و بمعناها الأوسع أن تنتقل من من بيئة إلى بيئة، و لابد من حركة من إلى، بل إن عبادة الله في الهرج هجرة إليه، ويتسع معنى الهجرة، كما قد ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه فيما يرويه عن رب العزة (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ).

والهجرة تربية للإرادة وجهاد للنفس، وتعويد على الصبر، والثورة على المألوف، وهل الإنسان إلا إرادة؟ وهل الخير إلا إرادة؟ وهل الدين إلا صبر على الطاعة، أو صبر عن المعصية؟ والهجرة تمثل كل هؤلاء.

والهجرة من المفاهيم القرآنية المهّمة التي ركّز عليها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فقد بدأ منعطف الإسلام نحو الانتشار وهداية الناس من الظلمات إلى النور، حينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.

وهنالك آيات كثيرة وليست خاصة بزمن الرسول الكريم وإنما عامة لكل زمان ومكان إذا اقتضت الظروف منها : قوله تعالى ” إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ” العنكبوت: 26، كلمات من نور بيَّنت في إيجاز واف أن الهجرة الحقيقية إنما تكون إلى الله، كلمات وردت في سياق حوار إبراهيم مع قومه، وبعد أن نجاه الله من النار، أعلن سيدنا إبراهيم الهجرة إلى الله. وقوله عز وجل :” والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر ” النحل : 41.

فإذا استفاد المسلم من هذا الموقف العظيم الذي غير مجرى التاريخ الإنساني بكامله فقويت عزيمته وإرادته، ووجد من مجتمعه عونا وسندا حيث يكون المجتمع المحيط مشاركا له في عملية التغيير مما يرجى معه أن يمتد الأثر ليشمل شتى بقاع الأرض لعالمية الهجرة .التي تعني ـ في جوهرها وحقيقتها ـ التحرر من الخضوع، لكل قوة من ـ دون الله ـ مهما بلغت، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات. والهجرة جهاد ضد الظلم والطغيان فالظلم منكر عظيم وعاقبته وخيمة، ؛فالهجرة إذا حد فاصل بين الظلم والعدل و بين الإيمان والكفر وتجسيد لأهداف الإسلام وغاياته الكبرى لترسيخ دعائم الخير والمحبة والتسامح والجهاد، وإقامة صرح الإيمان الذي هو مجمع الفضائل، وقوام الضمائر، وعماد الحياة السوية.

لقد كانت الهجرة النبوية بمثابة ميلاد جديد للدولة الإسلامية تتخذها بداية للتأريخ وهذا التأريخ في دلالته العميقة يشير إلا أن أمة الإسلام تعتبر بأحداث التاريخ، فهل نستفيد في وقتنا الحاضر من هذه الذكرى؟ ومن زاوية أخرى ألا يدفع الواقع الذي نعيشه هذه الأيام إلى إعادة ترتيب الأوضاع الحياتية , فيقينه صلى الله عليه وسلم في الله وتوكله عليه مع الأخذ بالأسباب الذي لا ينافي التوكل جعله يصل بهجرته بنا إلى بر الأمان.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى